فــــى بيتنـــــا أســـــد
بالأمس كان بيتاً ساكناً هادئاً تحفه الأضواء الخافتة، الصمت الممتع يجول فى ارجائه .صمت يجعل الإلهام متجسداً امام عينيك تقتبس منه ما يحلو لك من الحكايات وتعزف على أوتاره أرق القصائد والاشعار .
واليوم أصبح بيتأ مدجج بالأضواء الصاخبة والأصوات العالية . أصوات ضحكات متتابعة رنانة تهز اركان البيت . امتلأ البيت أناساً كثيرين فالكل أتى ليهنىء ويبارك قدوم المولود الجديد . أهل ، جيران ، أصحاب ، أحباب ، وغير أحباب .
لا أعلم هل حقاً إمتلأت قلوبهم بهذا الكم من الفرحة مثلنا أم لا . بالطبع منهم من هو فرحان حقاً . ولكن لماذا أتى الباقون ؟
آه تلك السيدة التى حباها الله زوجاً من العيون لم تستخدمهما أبداً إلا فى النظر لكل ما يمتلكه الآخرون ، عيون دائرية واسعة لامعة مخيفة ولسان لم يتعلم مطلقاً أن يقول " ما شاء الله لا قوة إلا بالله " . كم انا خائفة على المولود من عينيها فبالطبع هو اليوم محط كل الأنظار ولكن لا بأس بباقى الأنظار انا فقط أخشى نظرات تلك المرأة الحسّادة " ربنا يستر ".....
و من هذه الأخرى ؟؟!!! تلك السيدة رأيتها من قبل ... آآه تذكرت الان ملامح وجهها ولكنها تغيرت كثيراً منذ رأيتها آخر مرة كانت نحيلة هزيلة تشتكى هيئتها الفقر ولكنها اليوم مختلفة تماماً أعتلت وجهها معالم الغنى ، ترتدى أبهى الثياب وجعلت من كفيها و صدرها معرضاً لأغلى المصوغات الذهبية وغيرها " لا بد وأنها تزوجت ثرياً " واليوم أتت لتتفاخر وتتعالى على قريناتها وعلينا بكل ما اوتيت من مال وجمال وذهب و و و.....
وسط صمتى الذى انشغل بمراقبة الحاضرين أسمع صوت جرس الباب وكأن البيت ينقصه زواراً...
ذهبت لأفتح فوجدت جارتنا وابنتيها وكادت عضلات وجوههن أن تتقلص من ارتسام تلك الابتسامة الباردة المصطنعة بكل بوضوح ولكنهن أتين فقط " للفرجة "....
ومن خلفهن أتى ذلك الرجل الذى يقطن المنزل المجاور وزوجته وولديهما ،، هذا الرجل العبوس الذى لم اعهد البسمة ابداً على وجهه،، وزوجته تلك المرأة الرقيقة الحنونة طيبة القلب التى لا أدرى كيف تحتمل العيش مع هذا الرجل ,,, انا أعلم أنها ضغطت عليه بكل قوتها ليأتى معها ليبارك ويقوم بالواجب نحو جيرانه ولو بقليل من عشرات الجنيهات يضعها فى كف المولود... ولكنه أيضاً رجل بخيل ربما وافق على المجىء ليضمن حق ولديه فى قطع من اللحم " العقيقة " والتى حرمهما منها منذ فترة طويلة " فكرة خبيثة للتوفير "........ وبينما انا غارقة فى كل هذا الصخب أبحث عن هدنة مع الزحام والتمس قطعة من الهدوء أذهب لأنظر فى وجه ذلك البرىء " المولود " وأطيل النظر فى عينيه الجميلتين باحثةً عن تلك البراءة التى افتقدها فى عيون وقلوب هؤلاء,,,, وأعتذر له مقبلةً أصابعه الرقيقة عن عدم إهتمامى به فى تلك اللحظات وأعده أن أعود لأجلس إلى جواره الهادىء بعد أن أتخلص منهم وأتركه نائما كالملاك بين أحضان أمه " أختى " التى تمنى وجهها أن يتجمد على تلك الابتسامة التى اعتلت شفتيها لكل الحاضرين فهى مثلى تبحث عن قسط من الراحة والهدوء..............
ما هذا ؟؟؟؟؟ صراخ،،جرى،،هرج ومرج!!!! ماذا حدث لهؤلاء المجانين؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
لقد اقتحم بيتنا أســــد,,,,,,,,,, الكل يجرى هنا وهناك ويفر بعمره ،، حتى جدتى التى توكأت على عكاز ألقت به وفرت هى الاخرى مهرولة على سلالم البيت.....البعض منهم أغلق باب الحجرة التى كان يجلس بها ...وهذا آخر يختبىء تحت الكنبة ومنهم من لاذ بالفرار داخل الحمام ... ربما منهم من ألقى بنفسه من الشرفة...
ماذا دهى هذا الأسد ؟؟؟؟ أقتحم بيتاً به وليمة دسمة من اللحوم البشرية الطازجة ولم يهم بأكل أى منها ؟؟؟!!!!
إنه يجول يميناً ويساراً وكأنه يبحث عن شىء ما أو ربما يبحث عن شخص ما ,,,, لا لن تكون تلك هى نهايتى بين براثن ذلك الأسد،،،، ترى هل يبحث عنى ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
انا لم يهمنى فى تلك اللحظات المهيبة إلا اختى وصغيرها " وبالطبع انا أيضاً " ولحسن حظنا كانت أمى معنا فى نفس الحجرة فأسرعت وأغلقت الباب بإحكام واحتمينا خلفه وبدأت اهدىء من روعهم وكأنى لم يقطعنى الخوف إرباً
تقمصت دور البطل الهمام الذى سيقضى على هذا الوحش بمنتهى السهولة .... واقترب من الباب استرق السمع وأراقبه دون أن أصدر نفساً ,,,, أرى من عقب الباب ظلال أقدامه المتوحشة تعدو ذهاباً وإياباً ولكنه لا يبدى أى محاولة للهجوم ...
أظنه أسداً مختلاً!!!! يسهل علىّ ترويضه.... آآآآه كم تمنيت أن أمتطى ذلك الأسد " العبيط " وأرشده لطريق كل من أردت التخلص منه لعلّه يطفىء غيظى ويخلصنى من هؤلاء المنافقين,,,,,,,,, نعم سألمم كل ما أوتيت من قوة وأفتح الباب وأمتطى هذا الأليف ,,,,, سأخيف به تلك المرأة الحسّادة وهذه الأخرى المتكبرة وأيضاً المنافقة ،، ربما يذهبن ولن يعدن مرة اخرى لزيارتنا ,,,,, وأهمس فى أذنيه راجيةً منه الذهاب لذلك الرجل البخيل والتهام قطعة لحم من يده المغلولة هذه علّه يتعلم درساً لن ينساه ويقدر تلك المرأة الطيبة الصبورة على طباعه وبخله و أفعاله.....
سأستجمع كل شجاعتى وأمسك بمقبض الباب لأفتحه,,,,,,,,
وفى هذه اللحظة الحاسمة ,,,,,, يشق صوت عقلى صدر جنونى ووساوسى ويصرخ بين جوانحى ويقول ........
" ألجمى جواد خيالك المجنون ,,,,, أيعقل أن يكون ....
فى بيتـنـــــا أســـــــــد ؟؟؟؟!!!! "