موضوع: حكم تسجيل الحضور بالصلاة على سيدنا محمد الجمعة سبتمبر 03, 2010 12:40 pm
الحمد لله وحده،والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن بعض الإخوة والأخوات ممن يرتادون الشبكة العنكبوتية العالمية(الإنترنت)
وخاصة المنتديات الإسلامية والدعوية يقصدون الخير وتكثير الحسنات ، فتخطر في أذهانهم بعض الأفكار في ترديد الأذكار أو الصلوات على نبينا صلى الله عليه وسلم أو طلب الدعاء والإلزام به .. ونحن لا نتهم من فعل هذا بسوء المقصد وفساد النية بل قد يكون الأخ مريدًا للخير ، ومع ذلك فعمله يوصف بأنه مخالف للسنة ، كما ورد ذلك في أثر ابن مسعود -رضي الله عنه- حيث قال : ( وكم من مريد للخير لن يصيبه ) وعلى كل فهم يشكرون على هذا الحرص في فعل الخيرات والحث عليها، فنسأل الله أن يثيبهم على حرصهم وإرادتهم للخير. بيد أنه يجب التنبه إلى أن العبادات مبناها على التوقيف و الاتباع لا على الهوى و الابتداع، فكل اقتراح في العبادات والحث عليها يجب أن يكون قائماً على دليل من الكتاب والسنة والإجماع، فإنّ العبادات ليس مثـــل العادات التي مبناها على الإباحة، فالعبادات توقيفية لا مجال فيها للرأي ولا للاستحسان. قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الجاثـية:18]. وقال تعالى : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِينا} [المائدة: من الآية3] وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (مَنْ عَمِلَ عَمَلاً ليسَ عليه أمرُنا هذا فهو رَدٌّ) (متفق عليه) وقال صلى الله عليه وسلم : (إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة) (أخرجه أبو داود ) وقال عليه الصلاة والسلام : (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ) (البخاري) قال الإمام ابن رجب-رحمه الله- : ( فكل من أحدث شيئًا ونسبه إلى الدين ، ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه ؛ فهو ضلالة ، والدين منه بريء ) (جامع العلوم والحكم ) وقال الإمام ابن الجوزي -رحمه الله-: ( فإن ابُتدع شيء لا يخالف الشريعة ، ولا يوجب التعاطي عليها ؛ فقد كان جمهور السلف يكرونه ، وكانوا ينفرون من كل مبتدَع وإن كان جائزًا ؛ حفظًا للأصل ، وهو الإتباع ) (جامع العلوم والحكم) وما يفعله هؤلاء الإخوة هو من باب العبادات التي يجب فيها الاتباع وينهى فيها عن الابتداع .. وقد قال ابن مسعود -رضي الله عنه- : (اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم) (رواه الدارمي وابن أبي خيثمة) وقال أيضا : ( دخلتُ على ابن عباس، فقلت : أوصني، فقال : نعم ! عليك بتقوى الله والاستقامة، اتَّبع ولا تبتدع ) (البخاري) وقال الإمام أحمد -رحمه الله- : ( أصول السنة عندنا التمسُّك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم، وترك البدع، وكل بدعة ضلالة ) (كشف الشبهات لأحمد بن حنبل)
فالواجب أن يحذر المسلم كل الحذر من الوقوع في المحدثات التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن ذلك أن يكون الذكر على هيئة جماعية أو التزام جماعي، لم يرد في شيء من الأحاديث.
وعلى المسلم حث إخوانه بأن يحرص كل مشترك على التذكير بآية أو حديث أو فضل عمل، أو حكمة يختارها يذكرنا بها فإن ذلك من الذكرى التي تنفع المؤمنين، ولكن لا يجوز له أن يلزم الجميع على أن يسجلوا حضورهم بالصلاة مثلا أو غير ذلك من الأذكار المخصوصــة أو طلب الدعاء على صفة الإلزام ، فإن هذا يشبه الالتزام الجماعي الذي لم يقم عليه دليل، وقد جاء عــن الصحابة-رضي الله عنهم- النهي عنه. فعن عمرو بن سلمة رضي الله عنه : كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل الغداة ، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد ، فجاءنا أبو موسى الأشعري، فقال :أَخَرَجَ إليكم أبو عبد الرحمن بعد ؟ قلنا : لا . فجلس معنا حتى خرج ، فلما خرج قمنا إليه جميعًا ، فقال له أبو موسى : يا أبا عبد الرحمن ، إني رأيت في المسجد آنفًا أمرًا أنكرته ، ولم أر - والحمد لله - إلا خيرًا. قال : فما هو ؟ فقال : إن عشت فستراه. قال : رأيت في المسجد قومًا حِلَقًا جلوسًا ينتظرون الصلاة ، في كل حلقة رجل ، وفي أيديهم حَصَى ، فيقول : كبروا مائة ، فيكبرون مائة ، فيقول : هللوا مائة ، فيهللون مائة ، ويقول : سبحوا مائة ، فيسبحون مائة . قال : فماذا قلت لهم ؟ قال : ما قلت لهم شيئًا انتظار رأيك وانتظار أمرك . قال : أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم ، وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء ؟ ثم مضى ومضينا معه ، حتى أتى حلقة من تلك الحلق ، فوقف عليهم ، فقال : ما هذا الذي أراكم تصنعون ؟ قالوا : يا أبا عبد الرحمن ، حَصَى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح . قال : فعدّوا سيئاتكم ، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء . ويحكم يا أمة محمد ، ما أسرع هلكتكم ! هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون ، وهذه ثيابه لم تبل ، وآنيته لم تكسر ، والذي نفسي بيده، إنكم لعلى ملَّة أهدى من ملَّة محمد ، أو مفتتحوا باب ضلالة . قالوا : والله يا أبا عبد الرحمن ، ما أردنا إلا الخير . قال : وكم من مريد للخير لن يصيبه . إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حدثنا أن قومًا يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم . وأيم الله ما أدري ، لعل أكثرهم منكم ، ثم تولى عنهم . فقال عمرو بن سلمة : رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج.
رواه الطبراني المصدر : السلسلة الصحيحة (وعلق الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة على الحديث فقال : ويستفاد منه أن العبرة ليست بكثرة العبادة وإنما بكونها على السنة بعيدة عن البدعة وقد أشار إلى هذا ابن مسعود رضي الله عنه بقوله أيضا : اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة . ومنها أن البدعة الصغيرة بريد إلى البدعة الكبيرة)
وعلى هذا يكون هذا الصنيع من البدع الإضافية، وليس بدعة حقيقيةً، والفرق بينهما أن البدعة الحقيقية ليس لها أصل في الشرع البتة، وأما البدعة الإضافية كان لها أصل في الشرع، ولكنها صارت بدعة لما أُضيفَ إليها من صفة وهيئات غير شرعية، أو تحديد بزمان أو تحديد بمكان، أو غير ذلك
واعلم أخي -وفقني الله وإيّاك-أن البدع تبدأ صغارا ثم تؤول كبارًا-كما قال السلف-، بمعنى أن الإحداث في الدين -وهي البدع- يتطور ويزاد فيه ويبنى عليه، ولا يقف عند حد، حتى يأتي اليوم الذي تختلط السنن بالبدع، ولا يعرف المسلمون ما ورد مما أُحْدِث، ذلك أنه لا تظهر بدعة إلا بخفوت سنة، ولا تظهر سنة إلا بذبول بدعة تعارضها، كما فعل أرباب التصوف مع الأذكار فآل بهم الأمر إلى اختراع طرق وكيفيات وهيئات في الذكر ما أنزل الله بها من سلطان، وذلك بسبب التهوين وغض الطرف عن صغار البدع فأفضت بهم للوقع في كبارها . وأشار العلماء إلى تمييزها والتعريف بجملة منها ، لعلي أجتنبها فيما استطعت ، وابحث عن السنن التي كادت تطفئ نورها تلك المحدثات ، إذ ما من بدعة تحدث إلا ويموت من السنن ما هو في مقابلتها ، حسبما جاء عن السلف في ذلك .
ولا تقف خطورة البدع عن حد ؛ إذ ينتهي الأمر بالمبتدعة إلى تغيير معالم الدين بوضع الرسوم ، وحد الحدود ،
وتقعيد الأصول على الرأي والهوى . حتى تغدو وكأنها دين آخر مخترع، ويتأكد هذا في طوائف المبتدعة إذ لكل طائفة نهجها في الأخذ والتلقي ، والقبول والرد ، والولاء والبراء ، ولها موازينها واصطلاحاتها ، وكأنما هي شريعة مستقلة .
أسأل الله جل شأنه أن يرينا الحقَّ حقَّ ويرزقنا إتباعه ، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه .
انتشرت في المنتديات مواضيع تحمل اسم : "سجل حضورك بالصلاة على النبي" بحيث يشارك فيها العضو بكتابة رد يحوي صلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فهل هذه الطريقة مشروعة بارك الله فيكم؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد: فإنه ينبغي التنبيه على أمر مهم، وهو أن كثيرًا من الإخوة يقصدون الخير وتكثير الحسنات فتخطر على بالهم بعض الأفكار في ترديد الأذكار أو الصلوات على نبينا صلى الله عليه وسلم ، وهم يشكرون على هذا الحرص على فعل الخيرات، وهو يدل على صحة الإيمان وحياة القلب، فجزاهم الله عن المسلمين خير الجزاء. غير أنه يجب التنبه إلى أن العبادات مبناها على التوقيف، فكل اقتراح في بابها يجب أن يكون مستندا على دليل، فهي ليس مثـــل العادات التي مبناها على الإباحة، فالأصل فيها أنه يجوز فعلها ما لم يأت دليل يحظرها.
فالواجب أن يحذر المسلم أن يقع في المحدثات التي حذر منها نبينا صلى الله عليه وسلم عندما قال : " إياكم ومحدثات الأمور" وقال –عليه الصلاة والسلام- : "كل بدعة ضلالة"، ومن ذلك أن يكون الذكر على هيئة جماعية أو التزام جماعي، لم يرد في شيء من الأحاديث. فلو فرضنا أن طالبا للخير دعا إلى أن لا يدخل أحد مجلسهـم ـ مثلا ـ إلا أن يسلم ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كلما دخل قبل أن يجلس لقلنا له : لك أن تذكر أهل مجلسك بفضائل الصلاة على نبينا صلى الله عليه وسلم وتدعوهم إلى الإكثار منها، كما ورد في السنة، ولكن لا تجعل ذلك على هيئة الالتزام الجماعي بالطريقة التي دعوت إليها؛ خشية أن يكون من الإحداث في الدين، إذ لم ترد مثل هذه الهيئة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابة. ومثل هذا ما يقترحه بعض أهل الخير الحريصين على الفضل في المنتديات، بالتزام الزائر بذكر مخصوص أو صلاة على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عند دخــوله، فله أن يذكر إخوانه بأن يحرص كل مشترك على التذكير بآية أو حديث أو فضل عمل، أو حكمة يختارها يذكرنا بها فإن ذلك من الذكرى التي تنفع المؤمنين، ولكن لا يلزم الجميع على أن يسجلوا حضورهم بالصلاة مثلا أو غير ذلك من الأذكار المخصوصــة، فإن هذا يشبه الالتزام الجماعي الذي لم يثبت به دليل، وقد ورد عــن الصحابة النهي عنه. فقد نهى ابن مسعود رضي الله عنه قومًا كانوا قد اجتمعوا في مسجد الكوفة يسبحون بالعدّ بصورة جماعية وذكر لهم إن ذلك من الإحداث في الدين. [قد رواه الدارمي وغيره بإسناد صحيح]. وأخيرا نذكر بما قاله العلماء بأن البدع تبدأ صغارا ثم تؤول كبارًا، بمعنى أن الإحداث في الدين -وهي البدع- يتطور ويزاد فيه ويبنى عليه، ولا يقف عند حد، حتى يأتي اليوم الذي تختلط السنن بالبدع، ولا يعرف المسلمون ما ورد مما حدث، كما فعلت الصوفية المبتدعة حتى آل بها الأمر إلى أن اخترعت طرقا وهيئات في الذكر ما أنزل الله بها من سلطان، وكل ذلك بسبب التسامح في البدء بالبدع الصغيرة، حتى صارت كبيرة. ولهذا كان السلف الصالح ينهون عن الابتداع أشد النهي، كما ذكر ذلك وروى عنهم ابن وضاح في كتابه القيم البدع والنهي عنها، وذكره غيره مثل الطرطوشي في كتابه الحوادث والبدع، وأبو شامة في كتابه الباعث على إنكار البدع والحوادث.